الثلاثاء، أبريل ٠١، ٢٠٠٨

عمليتي الجراحية الأولى : الزائدة الدودية

بسم الله الرحمن الرحيم

يبدو أنني منذ فترة طويلة لم أكتب شيئاً .. ولكن هذه التجربة التي مررت بها تستحق الكتابة بلا شك وبتفاصيلها كذلك لكي أعود لها بعد عام ربما وأنا مبتسم وبكامل قواي الجسدية بإذن الله .. ما حدث معي بدأ قبيل منتصف ليلة الخميس الماضي الموافق 27 مارس 2008 أثناء ذهابي إلى فراشي الدافئ وقبل أن آخذه بالأحضان وجدت نفسي أمام ألم فضيع في بطني لا أعلم سببه فـ(إنسدحت) في فراشي علها عارض شر يزول قريباً وفعلاً بقيت في فراشي لمدة ساعتين تقريباً ولا فائدة .. الألم أكاد أشعر فيه برأسي من شدته فقررت الذهاب إلى الوالدة الحنون التي وجدتها مستيقضة نائمة فلما رأتني أحست بأنني أتألم وسألتني ما بك ؟ فأجبتها بما بي من أوجاع ربما وأحسبها معوية فذهبت قليلاً وعادت لي ببضعة أدوية سابقة لي أو لأحد أخوتي لا أعلم وكما هي عادتنا لا نبحث عن طبيب بل نحن الأطباء فشخصنا المرض بخبرتنا الطويلة واخترنا ما أعجبنا شكله أو ذاع صيته من الأدوية وتناولته عل وعسى تذهب عني هذه الآلام .. عدت إلى فراشي بعدها ولا زلت على حالي البائس على أمل أن يكون ما فعلناه فيه خير قمت بعدها إلى مغسلة الحمام (أكرمكم الله) وتقيأت عدة مرات أحسبها ثلاثاً حتى رميت ما في بطني من مأكولات اليوم كلها فمن البسكويتة والحليب إلى الغداء الدسم إلى العشاء الذي لا يخلو من لحوم وشحوم .. بعدها عدت إلى فراشي بعد أن أحسست ببعض الراحة التي لم أصل إلى مبتغاي حتى ذهبت عني دون رجعة وكانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً فبدأت أتألم وأتوجع وأحياناً أتأوه وعدت وتقيأت بعض قطرات المياه التي شربت وتمنيت حينها أني لم أرتشفها أبداً .. بقيت على هذه الحالة حتى الساعة السابعة صباحاً بلا توقف فسمعت صوتاً إستيقظ في المنزل وحين خرجت لأعلم من الحي في صباح الجمعة فوجدتها الوالدة أدامها الله وقد رأتني ولا زلت على حالي فنصحتني على الفور أن أذهب إلى المستوصف القريب من المنزل عاجلاً وبلا تأخير ..

وبعد ضغط منها وتكابر مني على الألم فعلاً استليت مفتاح السيارة واتجهت إلى المستوصف الذي وجدته شبه خالٍ في هذا الصباح الصافي فنزلت بعدها من سيارتي وتوجهت إلى داخل الكاتب فلم أجد أحداً من الكتبة بحثت قليلاً ثم توجهت إلى غرفة الدكتور على الفور الذي وجدته متململ من الجلوس بلا عمل وما إن لمحني قال لي تفضل بالجلوس وأخبرته بمشكلتي بالضبط .. ضغط على بطني قليلاً وسألني عن مكان الألم فأخبرته أنها من منتصف البطن بالضبط نظر بعدها إلى فمي وفحص ضغطي وحرارتي وكانوا طبيعيين جداً ثم سألني إن كان لدي قرحة فقلت له لا ولكن تأتيني أعراض (الحامض أو الحارق) نادراً وأعالجها بكوب من الحليب وسرعان ما تزول .. أخبرني بعدها أن تشخيصه يقول أن مشكلتي هي مجرد (عصف) معوي بسبب عشاء دسم لم تكن المعدة مستعدة له فوصف لي بعض الأدوية وحقنة قال لي : "خذها وخلال ساعتين إن لم تتحسن حالتك خذ ورقة التحويل هذه وإذهب إلى المستشفى فقلت حسناً لا بأس .. وفعلاً ذهبت وحصلت على الحقنة التي عرفت من الممرض أنها إبرة أنسولين عادية وحصلت على أدويتي من صيدلية المستوصف التي وبلا فخر 3 أدوية اثنان منهم كنت قد جربتهم فجراً ..

خرجت من المستوصف وعدت إلى المنزل مسرعاً وإحتضنت الفراش من شدة الألم فأتت الوالدة وقد أحضرت معها كوباً من الماء وأخرجت الأدوية التي معي وقالت لي تناول منهن عسى أن يكن شفاءاً .. كان من بين الأدوية الثلاث شراب لونه أصفر وهو الجديد علي ولا خبرة لي فيه تناولت منه هو الآخر وبقيت على آلامي مدة نصف ساعة حتى بدأ القئ يقول لي "لن أدعك تنعم ببعض الآلام والأوجاع حتى أنكد عليك ببعض مما عندي" وبالفعل هدد عدة مرات ونفذ في آخرها وصدق حين هدد على ما يبدو وكان لونه أصفراً فعلمت أنه الدواء الذي شربت .. إستمريت على هذه الحالة وهذه الآلام عدة ساعات حتى سمعت أذان صلاة الجمعة وما إن أديناها أخبرت أخي بضرورة الذهاب إلى المستشفى فوضعي الحالي لا يسر الأصدقاء ولا العدى فقال لي لا بأس سأقود أنا إلى المستشفى عنك وهو يخبرني أنني كعادتي لا أتحمل أي ألم ولو كان بسيطاً .. على ما يبدو أن دفتر أمراضي السابقة التي ما إن يداهمني أحدها حتى وقعت طريح الفراش قد وقف ضدي هذه المرة بحجة ساطعة وبرهان سليم ولكن لم يكثر من هذا الكلام وذهبنا إلى المستشفى ..

إنطلقنا إلى المستشفى ووصلنا ولله الحمد إلى مستشفى الفروانية وهو أحد المستفيات الحكومية المنتشرة في محافظات الكويت الست وقد لاحظت ملاحظة غريبة وهي أن أفواجاً كبيرة من العمالة الوافدة تخرج من مسجد المستشفى إلى الجسر القريب سيراً على الأقدام في الحقيقة عندما أقول أفواجاً أعني ما أقول ولا أتصور أن المسجد الذي شاهدنا يسع هؤلاء جميعاً !! .. على كل حال دخلنا المستشفى فذهبت أن للجلوس على أحد الكراسي الفارغة أمام عيادة الدكتور وذهب أخي إلى الكاتب ليأخذ ورقة دخول إلى الدكتور ورقم لتنظيم الطابور وجاء إلي فإذا برقمنا ليس ببعيد عن الرقم الموجود مع المريض الذي داخل العيادة ولكنني لاحظت كذلك (مريض أتألم ومع ذلك ألاحظ!) أن هنالك ثلاث عيادات غير مفتوحة إلا واحدة أتمنى أن تكون بسبب أن اليوم جمعة وبقيت الأطباء في المساجد على الصلاة عاكفون .. جلسنا قليلاً وإذا برقمي قد وصل فدخلت على الطبيب وسألني أسئله قريبة من أسئلة طبيب المستوصف فأخبرته على الفور بكل ما حدث هناك فأكمل فحص النبض والحرارة والضغط على البطن كذلك وقال لي لابد من إجراء فحص للدم لمعرفة السبب وسأعطيك حقنة لتخفيف الألم حتى تخرج نتائج التحاليل وفعلاً خرجت وأخذت الحقنة وإنتظرت التحاليل التي إستغرفت حوالي ربع الساعة .. أخذتها وعدت لطبيبنا الحصيف فأخذ ينظر فيها وقال كل شئ سليم حتى الآن ولكنه رأى أن الحقنة لم تفد بشئ فسألني عن موضع الألم فأخبرته أنه بمنتصف البطن تماماً وضغط قليلاً لمعرفة رد فعلي وقال لي لابد من فحص دم آخر من أجل البنكرياس فقلت له لا بأس وأنا منزعج لعدم فعل ذلك من المرة الأولى .. ذهبت إليهم وأخذوا مني دم مرة أخرى كما المرة الأولى وفحصوا ولكن هذه المرة التحليل تأخر لحوالي الساعة الكاملة ذقت فيها أنواع الآلام من البطن المريضة وأنا ممسك بها قلت لأخي أن الجوع أكل مني مأكله ولابد لي من شئ أضعه في جوف بطن وإن كانت تؤلمني ولكنها لا تزال مني فجاءني بعصير وتويكس وقال أنه لم يجد إلا جهاز داخل المستشفى لشراء المأكولات فقلت لا بأس وشربت قليلاً من الأول وقضمة من الثاني وتركتهم على حالهم حتى خرجت تحاليلي فاغرورقت عيناي من الفرح (وبعض الألم) ودخلت على الدكتور بعض إنتظار 10 دقائق لوجود بعض المرضى لديه ونظر إلى التحاليل الجديدة وقال إنها جيدة جداً ولا شئ في دمك يدعو إلى الريبة والخوف ولكن يوجد تجمع لكريات الدم البيضاء في بطنك وهذا ما يسبب لك الألم وهي تحدث وتختفي في أحيان ولكنها أحياناً كثيرة تكون سابقاً للزائدة الدودية (أخيراً ظهرت) وقال لي إذا تحرك الألم من وسط البطن إلى الطرف السفلي الأيمن منها تعال إلى المستشفى فوراً لعمل عملية إستئصال الزائدة الدودية من جسمك ولا تتأخر .. فقلت له لا بأس وذهبت لأخذ بعض الأدوية (أيضاً) التي وصفها لي وحقنة قال إنها قوية وشديدة وستريحني من الألم القوي .. وذهبت إلى المنزل فوراً ..

حينما وصلت إلى المنزل كانت الساعة تشير الى الثالثة ظهراً تقريباً أكملت حينها سلسة التأوهات وبدأ القئ يعود لي مرة أخرى فعلمت أنني أخطأت بالأكل بالمستشفى ! .. أكلت من الأدوية وإنتظرت علها تريحني ولو قليلاً هي والحقنة (الشديدة) التي أخذتها ولكن لا فائدة ترجى حتى مللت الألم الذي بدأ من قبل منتصف ليلة الخميس قليلاً وقاربت إلى السادسة مساء الجمعة أي 18 ساعة من الألم المتواصل علمت عندها بضرورة ذهابي إلى المستشفى الحكومي الأفضل من وجهة نظري وهو خاص بأفراد القوات المسلحة وعائلاتهم .. مستشفى جابر الأحمد للقوات المسلحة وفعلاً أخبرت والدي بأني أريد الذهاب إليه فلبى طلبي بلا تردد وإنطلقنا على الفور إلى المستشفى وأنا كلي أمل ورجاء أن يكون شفائي عن طريقهم من الله عز وجل .. دخلنا إلى حوادث المستشفى وعلى الفور جلست على أقرب كرسي وبدأت أصارع ألمي وذهب والدي إلى الكاتب لأخذ ورقة دخول إلى عيادة الدكتور .. لاحظت أن لا أحد ينتظر خارج عيادة الدكتور علمت حبينها أنه لا يوجد إلا مريض واحد وما إن أتى أبي حتى خرج بأقل من دقيقة ودخلت أنا إليه فأخبرته بكل شئ وعاد هو الآخر يضغط على بطني وضغط على مكان الزائدة الدودية (الجانب الأيمن السفلي) وأبعد يده بسرعة كبيرة أحسست حينها أنه أدخل بها سكيناً حاداً وقطع بها تقطيعاً .. فقال لي يبدو أنه لديك الزائدة الدودية ولكن لابد من بعض التحاليل والأشعة كذلك فجاؤوا لي بكرسي مدولب أجلس عليه ونقلوني إلى غرفة الأشعة وأجريت فيها ما يريدون ثم انتقلت إلى ملاحظة الرجال وأخذوا مني بعض الدم و(غيره) لإجراء تحاليل ووضعوا بيدي مغذي وطلبت من أخي كوباً من الماء الدافئ لأن العطش يقتلني ففعل وشربت وبقيت من السابعة تقريباً حتى الثامنة والنصف والألم لا يزال ثم فجأه إختفى لا أعلم السبب ولكن ربما الحقن التي وضعتها الممرضات في المغذي لها مفعول السحر جاءني الجراح وفحص بطني بالضغط وقال لابد من إجراء عملية إستئصال الزائدة الدودية اليوم فسألني إن كنت قد أكلت أو شربت شيئاً فأخبرته أن آخر مأكولاتي الظهر فقال لا بأس ولكنني شربت بعض الماء قبل قليل فغضب وقال "لم شربت .. أنت هكذا قد أجلت عمليتك حتى الفجر" فقلت له لم يخبرني أحد بعدم الأكل أو الشرب فكتب على لوحة الأطباء التي عند سريري بضعة ملاحظات وذهب .. وما إن ذهب حتى عاد إلي القئ مرة أخرى وكان النتيجة هذه المرة هي المياه التي شربت .. فأخذوني في الساعة العاشرة تقريباً إلى الجناح وقالولي يبدو أنك ستبقى لديناً عدة أيام وكان أبي معي فإتصلت أمي وكلمتها فإذا هي تبكي (كم هي حنونة أمي ورائعة .. ببساطة هي كل شي جميل في حياتي لأنها لم تدع مجالاً لشئ آخر) فهدأت منها وقلت لها ليست سوى عملية بسيطة للزائدة الدودية فلا تقلقي أبداً .. ثم نقلوني بعدها إلى غرفة العمليات على الفور وأجروا لي مسكن كامل (بنج) ولم أعي لنفسي إلا والساعة السادسة صباح يوم السبت وأنا على سريري لا أستطيع الحراك أبداً لألم في الطرف الأيمن السلفي من بطني فعلمت أنهم عملوا العملية بفتح البطن وليس بالمنظار وكان الألم عند الحركة فبقيت ساكناً وشعرت بعطش شديد فضغطت على زر بجانبي لتأتيني الممرضة التي تبدو عليها ملامح أوروبا الشرقية فقلت لها بإنجليزيتي الركيكة عن عطشي فقالت إن الطبيب قد منع عنك الأكل والشرب وأشارت إلى لوحة على جانب السرير مكتوب عليها "صـائـم" .. بقيت على هذه الحال حتى العاشرة حينما قامت عائلتي بزيارتي والإطمئنان على حالي وذهبوا بعد أن رأوني خاملاً جداً وفي العصر جاءني أصحابي جميعاً تقريباً وضحكنا قليلاً مع أن الضحك يؤلم في مكان الجرح وحاولت منع نفسي .. بقيت حتى يوم الأحد حتى سمحوا لي بالأكل والشرب وجاء الجراح وفحصني وقال تستطيع الذهاب إلى منزلك اليوم إن أردت فقلت حسناً وشكراً جزيلاً لكم جميعاً .. فجاءني والدي وعدنا إلى المنزل بعد أن أعطوني دوائين أحدهما مسكن للألم أستخدمه عند اللزوم وآخر مضاد حيوي لمنع إلتهاب الجرح أتناول منه مرتين يومياً 4 حبات على مدار 8 أيام .. وأعطوني موعد للمراجعه في تاريخ 3 أبريل 2008 ..

هذه هي حكايتي مع عمليتي الجراحية الأولى (الزائدة الدودية) آثرت إلا أن أكتب عنها بتفاصيلها لنفسي أولاً ولزوار هذه المدونة التي بدأت أساساتها بالضعف لقلة الكتابة فيها سواء زوار المدونة الذين يحبون قراءة القصص أو الذين يبحثون في موضوع الزائدة الدودية فيمكن معرفة الأعراض من الموضوع وألخصها بالقئ وأعني هنا الكثير من القئ وكذلك عند فحص الدم ازدياد كريات الدم البيضاء وفقدان الشهية ولا أنسى أن درجة الحرارة إرتفعت لدي في آخر مرة أجريت فيها فحص درجة حرارة قبل العملية إلى أعلى من 38 درجة ..

شكل الجرح الذي خلفته هذه العملية وهي المشكلة الوحيدة التي تواجهني الآن يشبه إلى حد كبير جداً هذه الصورة التي وجدتها أثناء بحثى بالإنترنت ..


هذا ما أتذكره الآن وسأحدث هذه التدوينة إن تذكرت شيئاً يستحق أن أضيفه .. كانت هذه أجمل تدوينة أكتبها في هذه المدونة ربما لأن هذه الحادثة جديدة علي ولأنها المرة الأولى التي أكتب عن نفسي بشكل شخصي قليلاً لذلك وبما إنها تجربة ممتعة ربما سأكررها في التدوينات القادمة وربما يزيد هذا من التدوينات ومعدلها المنخفض ..

نواف